شرع الله الأذان لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وتنبيههم للإقدام عليها، وشرعت الإقامة لاستنهاض الناس لأداء الصلاة، وشرع أذان واحد لكل فريضة، وكان زمن التشريع للأذان بعد الهجرة في السنة الأولى، كما ثبت في حديث رؤيا عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب([1])، وكان لكل فريضة أذان واحد وإقامة، وكانت الجمعة كسائر الفرائض في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر، وزاد عثمان الأذان الثاني يوم الجمعة للحاجة إليه، وهي كثرة الناس، فعلم أن الأذان مشروع بأصله، وليس هناك مانع من زيادة أذان مشروع في وقت يحتاج الناس إليه، كما فهم بلال رضى الله عنه ذلك عندما صلى سنة الوضوء، وقد بينا ذلك في إجابة سؤال سابق عن حجية الترك، وأورد الإمام البخاري زيادة عثمان للأذان الثاني، فعن السائب بن يزيد قال : «كان النداء يوم الجمعـة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبى صلي الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر - رضى الله عنهما - فلما كان عثمان رضى الله عنه وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء»([2]). وسماه البخاري الثالث؛ لأنه يسمي الإقامة أذان.
وما فعله عثمان لم يشذ به عن باقي الأمة، فقد أقره الصحابة في عهده، وثبت الأمر على ذلك بعده في عهد علي بن أبي طالب إلى يومنا هذا، ولقد روى البخاري نفس الحديث برواية أخرى زاد فيها «عن الزهرى قال : سمعت السائب بن يزيد يقول إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر - رضى الله عنهما - فلما كان فى خلافة عثمان رضى الله عنه وكثروا، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك»([3]).
ويقول ابن حجر العسقلاني : « والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك، لكونه خليفة مطاع الأمر.... إلى أن قال : « وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها : ما يكون حسنا، ومنها : ما يكون بخلاف ذلك، وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة؛ قياسًا على بقية الصلوات، فألحق الجمعة بها، وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب، وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله»([4]).
ومما سبق نعلم أن الأذان الثاني للجمعة سنه سيدنا عثمان رضى الله عنه وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : « من يعش منكم فسيجد اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين »([5])، وعثمان رضى الله عنه من الخلفاء الراشدين، ولقد قام الإجماع العملي من لدن الصحابة إلى يومنا هذا على قبول الأذان الثاني، فالذي يطعن فيه وينكره، فإنه ينكر في إجماع وشعائر الإسلام التي ارتضاها العلماء عبر القرون، ويخشى عليه من أمور خطيرة بإنكاره هذا.
فنحن في مساجدنا في القاهرة نجد الأذانين، وكذلك نجد ذلك في المسجد الحرام خير المساجد، ومسجد سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، رزق الله أمة النبي صلي الله عليه وسلم الوفاق على أمر الشرع، والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________________________________________
([1]) رواه الترمذي، في سننه، ج1 ص 359، وابن حبان في سننه، ج4 ص 572، وابن خزيمة، ج1 ص 193.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص 309.
([3]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج1 ص 310، وأبو داود في سننه، ج1 ص 285.
([4]) فتح الباري، لابن حجر، ج2 ص 394.
([5]) رواه ابن حبان في صحيحه، ج1 ص 179، والحاكم في المستدرك، ج1 ص 174.